جديد إصدارات مختبر البحث
قضايا في اللغة والخطاب (3)
تقديم بقلم الدكتور أحمد موسى
يواصل مختبر البحث
في علوم اللغة والخطاب والدراسات الثقافية، بدأب وأناة، المضي قدماً في مشروعه
العلمي والبحثي، فبعد أن أصدر كتابين جماعيين تضمنا بحوثاً ودراسات أنجزها ثلة من أساتذة
المختبر وبعض الطلبة الباحثين، في قضايا تلامس اهتمامات المختبر العلمية ومحاور
اشتغاله الرئيسة، ها هو ذا اليوم يصل إلى العدد الثالث من سلسلة منشوراته.
الكتاب الذي بين يدي القارئ (قضايا في اللغة والخطاب 3) يضم بين دفتيه عدداً من مقالات السادة الأساتذة والطلبة الباحثين، التي تناولت بالدرس والتحليل قضايا شعرية وسردية وثقافية.
وقد انتظم الكتاب، بالنظر إلى محتويات مواده، في ثلاثة أقسام؛ اشتمل القسم الأول المعنون بـ "قضايا في الشعر" على ثلاثة بحوث، افتتح ببحث الزميل الأستاذ عز العرب إدريسي أزمي في موضوع "فنون الشعر في العصر المملوكي". وإذا كان هذا المقال يهتم بالشعر العربي الفصيح فإن البحث الثاني، الذي أعدّه الزميل الأستاذ عبد الدين حمروش، ينكب على دراسة فن من فنون الأدب الشعبي وشكل من أشكال الشعر العربي باللغة المحكية، الأمر يتعلق بموضوع شعر الزجل بين المغرب والمشرق، اللغة، البناء، الأسلوب. أما المقال الثالث في هذا القسم فيتطرق فيه الطالب الباحث خليل الكيال، إلى أحد المفاهيم التداولية التي تثري المقاربات النقدية للخطاب الأدبي، وأعني هنا الحجاج، غير أن المقال احتفى بشعر الزجل المغربي ممثلا في قصيدة غرام الورقة لإدريس الزاوي، وحاول الكشف عن البعد الحجاجي في هذا النص.
احتوى القسم الثاني المعنون بـ"قضايا في السرد" على ثلاث مقالات؛ أثارت المقالة الأولى للأستاذ ميلود حاجي أسئلة المعنى في رواية "ديوان المواجع" لمحمد رجب الباردي، وسلطت الضوء على الآثار الدلالية للعلامة في النص الروائي موضوع الدراسة. وتناول الطالب الباحث توفيق الستيتي في دراسته الموسومة بـ "سيمياء الشخصية المرجعية في رواية "ثورة المريدين" لسعيد بنسعيد العلوي، شخصية المهدي بن تومرت أنموذجاً" رصداً لعملية اشتغال الشخصية المرجعية التاريخية داخل الرواية المذكورة، متوسلاً بمفاهيم إجرائية سيميائية. أما مقال الطالبة الباحثة سميرة حلاوي الذي يحمل عنوان "سيمياء كون الإيروس والثاناتوس في رواية "جن إيراني" للروائي الإيراني بهرام صادقي، ترجمة أحمد موسى"، فينتقل بنا إلى الأدب الإيراني المعاصر ويحاول تقديم قراءة نقدية في أحد إنتاجاته السردية المنتمية إلى النزعة السريالية.
ضم القسم الثالث والأخير من الكتاب الذي عنون بـ "قضايا ثقافية" دراستين للأستاذين أحمد موسى ومحمد صبري. ناقش الأستاذ أحمد موسى في بحثه الموسوم بـ "رافد الترجمة في الأدب المقارن العربي الفارسي" دور الترجمة في نسج الصلات بين الأدبين العربي والفارسي، من منطلق أن الترجمة تشكّل إحدى الوسائل المانعة للعزلة والانطواء، والرافدة لأدبي الأمتين، العربية والفارسية، بمؤثرات شتى متبادلة على امتداد تاريخ تفاعلهما. في حين تناول الأستاذ محمد صبري في مقاله "الأشكال التعبيرية في الرقص الأمازيغي بالأطلس المتوسط" الثقافة الأمازيغية في بعدها الطقوسي الاحتفالي، وركز على الجانب الفرجوي فيها متمثّلا في طقس الرقص بما يحمل من مفاهيم ودلالات تحتاج إلى قراءة وصفية وتأويلية.
في الختام يتوجه المختبر بالشكر الجزيل للأساتذة والطلبة الباحثين الذين أثروا هذا العدد من الكتاب الجماعي بمساهماتهم العلمية القيمة، كما لا يفوته تقديم عميق الامتنان للأساتذة الذين انكبوا، مشكورين، على تحكيم بحوث ومقالات هذا الكتاب والكتاب رقم (2) أيضاً. كما نجزل الشكر لجميع أعضاء المختبر على أياديهم الفضلى، فلولا انخراطهم الصادق في العمل، واقتراحاتهم وتوجيهاتهم النيّرة، ما كان لنا أن نستمر في إصدار أعداد هذه السلسلة.
*********************************
جديد إصدارات مختبر البحث
قضايا في اللغة والخطاب (2)
تقديم بقلم الدكتور عز العرب إدريسي أزميبسم الله الرحمن
الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المخلوقين وعلى آله
وأصحابه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أسئلة حارقة قلقة
ومقلقة يطرحها اللساني والبلاغي، كما الناقد والباحث؛ أين نحن من التطور الذي طال
مختلف الحقول المعرفية، الإبداعية والنقدية، اللسانية والبلاغية الغربية ؟ هل نحن
فعلاً نواكب هذه الحركية الإنتاجية الأجنبية ؟ أضفنا لهذه الحقول المعرفية من
أعمال تزيد من غنى وثراء ثقافتنا العربية ؟
هل قدرنا أن نبقى
نفكك ونستوعب ونفهم هذه الأعمال التي تصلنا من الغرب أو أمريكا ؟ أم أننا مطالبون
بمساءلتها والعمل على تطويرها ؟ إلى أين نتجه بإسهاماتنا اللسانية والبلاغية
والنقدية والإبداعية ؟ هل ما ننتجه، ينفتح بإيجابية على باقي المجالات والميادين
الحيوية والحساسة ؟ أم أنه عبارة عن أعمال توضع رهن إشارة المختصين فقط ؟
اتضح لنا من خلال
هذه الأسئلة الحرجة والمحرجة، أن إنتاجات وأبحاث السادة الأساتذة الذين ساهموا في
تكوين مادة هذا الكتاب، تأخذ مسارا منهجيا مترابطا ومتناغما، كل عمل يكمل الآخر،
وكأن العملية لم تقتصر على باحثين مختلفين، بل ركزت فقط على واحد ووحيد، وهكذا نجد
القسم الأول من الكتاب خصص لقضايا وإشكالات لسانية تروم تحقيق الأهداف التالية:
- تشخيص واقع حال الانتاجات اللسانية، والوقوف عند نقاط
قوتها وضعفها، بالكيفية التي تمكن من الارتقاء بها، وتجاوز المعيقات التي تحول دون
استجابتها للحاجيات والانتظارات المتوخاة منها.
- طرح بدائل واختيارات لتخطي الصعوبات التي تعترض البحث في
اللسانيات.
- الانفتاح التبادلي على مختلف الإنتاجات والأبحاث
اللسانية الرامية إلى تطوير البحث في اللسانية العربية.
أما الجزء الثاني
من هذا الكتاب، فقد توقف عنده الباحثون لمعالجة المحاور البلاغية والحجاجية
القديمة والحديثة، وتسعى إلى إعادة وتشكيل الدرس البلاغي العربي، في الشكل الذي
يمكنه من التجديد والتغيير والتعديل في مختلف أساليبه وتراكيبه ووظائفه وبنياته،
ليستجيب لرهانات ومستجدات المرحلة الراهنة، فقد ذهب هؤلاء الباحثون إلى الاهتمام
بإشكالات البلاغة، لتتكامل أعمالهم مع أعمال الباحثين اللسانيين السابقين، ويصبح
الكتاب عبارة عن وحدة موضوعية لسانية وبلاغية، تسعى إلى تبسيط العملية اللسانية
والبلاغية، وتنقية مساراتهما من التعقيدات والحواجز، التي جعلت منها مجالا حكرا
على المتخصصين والمهتمين بالشأن اللساني والبلاغي.
نتمنى أن يكون
الكتاب لامس إلى حد ما، الإشكالات والتساؤلات الجوهرية الأساسية التي ترتبط بحقلي
اللسانيات والبلاغة.
********************************
جديد إصدارات مختبر البحث
قضايا في اللغة والخطاب (1)
تقديم بقلم الدكتورة لطيفة لزرك
مديرة مختبر البحث "علوم اللغة والخطاب والدراسات
الثقافية"
هذا الكتاب الجماعي هو
أوّل منشورات مختبر "علوم اللغة والخطاب والدراسات الثقافية"، ويضمّ بين
دفتيه سبع مقالات لبعض من الأساتذة الباحثين
أعضاء المختبر، تعكس جوانب من محاوره الثلاثية، فمنها ما يتعلّق بعلوم اللغة،
ولاسيما علم الأصوات وعلم الدلالة، ومنها ما له صلة بالخطاب الشعري وآليات فهمه
وتحليله، ومنها ما يمكن نسبه إلى الدراسات الثقافية.
يفتتح الكتاب بمقال
للأستاذ أحمد موسى، يتعلّق بـ"علم الأصوات"، وعنوانه : "ظاهرة
التشديد في اللغة الفارسية بين الأصالة والاقتباس"، والمقال كما يشي بذلك
عنوانه، يتعلّق بالمدخل الأول أو المستوى الأول من مستويات اللغة، وهو المستوى
الصوتي، كما أن له صلة ضمنية بالدراسات الثقافية من حيث كونه يحاول أن يقف على بعض
من مظاهر التفاعل اللغوي - الثقافي بين العربية والفارسية.
ويدور المقال الثاني للأستاذ
حميد الهواري حول مسألة من صميم "علم الدلالة"، وهي : "الاشتراك
اللغوي"، تناوله الباحث من زوايا متباينة : لغوية، وبلاغية، وفقهية.
وتطرقت الباحثة لطيفة
لزرك في مقالها "المجاز عند فانتانيي: مقاربة بلاغية مقارنة" إلى
المجاز، وكيفية تقسيمه وتفريعه، في مصدر رئيس من مصادر البلاغة الأدبية الغربية
وهو : كتاب "الوجوه البلاغية للخطاب" لبيير فانتانيي، الذي كان له بالغ
الأثر في التصوّر الغربي للوجوه البلاغية، وحاولت عقد مقارنة أولية بينه وبين
الخطاب البلاغي العربي حول المسألة نفسها.
وتناولت الباحثة رحمة
توفيق في دراستها الموسومة بـ " المجاز والتأويل الدلالي"
إشكالات عديدة تخص كيفية تعامل الدراسات المعرفية الحديثة مع ما سمّي في المقاربات
البلاغية بالمجاز، عمدت فيها إلى عقد مقارنة بين تصوّر القدماء لظاهرة المجاز،
وتصوّر المحدثين.
وبمقال الباحث عبد
الدين حمروش : "الذاكرة ودرس الشعر" ندخل مجال الخطاب الشعري
وعلوم المعرفة، حيث يتناول الباحث أثر الذاكرة
في استيعاب الشعر وتحليله، والعلاقة الجدلية بين الحفظ والفهم.
أمّا مقال الباحثة
نعيمة الواجيدي "الصورة الشعرية في "قصيدة بورتريه لشاعر عراقي"
لنور الدين الزويتني : مقاربة حجاجية بلاغية"، فننتقل به إلى تحليل
الخطاب الشعري، وفيه تدرس حجاجية الصورة في قصيدة نثرية.
ويختم الكتاب بمقال
للباحث محمد صبري، عنوانه :"مظاهر اللعب في اللغز الأمازيغي بالمغرب"
يأخذنا إلى شكل من الأشكال التعبيرية الشعبية، بأبعادها اللغوية الدلالية، والسوسيو-
ثقافية.
نرجو أن يكون هذا
الكتاب، الذي يعكس جوانب من اهتمامات أعضاء المختبر، فاتحة طيبة لأعمال علمية
قادمة تسهم في صناعة المعرفة، وتعميق البحث العلمي وتجديده في ميادين اختصاص
المختبر.
ونشكر الأساتذة الذين
أسهموا في هذا العمل، كما نجزل الشكر لجميع أعضاء المختبر على أياديهم الفضلى،
فلولا انخراطهم الصادق في العمل، واقتراحاتهم وتوجيهاتهم النيّرة، ما كان لنا أن
نصدر هذا المنجز.
************************************
جديد الأدب الإيراني المترجم إلى العربية
ربيع كتماندو الأزرق
أنطولوجيا القصة الحديثة الإيرانية
للأستاذ والمترجم المغربي أحمد موسى
بعد ترجمته
لعدد من الروايات والمجاميع القصصية الفارسية، يطل علينا الدكتور أحمد موسى، أستاذ
اللغة الفارسية وآدابها بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، والمترجم المتخصص في
اللغتين العربية والفارسية، بعمل إبداعي جديد يتمثل في أنطولوجيا القصة الحديثة
الإيرانية تحت عنوان (ربيع كتماندو الأزرق).
الكتاب الصادر مطلع هذه السنة عن منشورات الربيع بالقاهرة.
تسبح بنا هذه المختارات
القصصية في نهر السرد الفارسي بدأب وأناة، وتغوص في أمواهه الرقراقة لتستجلي كوامن
الحياة الاجتماعية الإيرانية، بآلامها وآمالها، على مدى عقود عدة، وتنبش في
دوافنها المثقلة بعبق التاريخ وسحر التراث وبديع الذاكرة، والغنية بالأبعاد
الإنسانية والروحية، وتنقّب في أصداف القصص عن النفاسة والبهاء واللآلئ الشرقية
ذائعة الصيت.
تضم هذه
المختارات ثلاثة عشر نصاً من بين أنفس بدائع القصة القصيرة الإيرانية الحديثة، ومن
جملتها نصوص تخطّت حدود بلدها لتحظى باهتمام لغات وثقافات أخرى وتحوز على التقدير
والتتويج. نصوص أبدعها ثلاثة عشر قاصّاً وقاصّة من أبرز وأشهر الكُتّاب الإيرانيين
الذين لمع نجمهم وحاز الكثير منهم أرفع الجوائز، محلياً وعالمياً.
تنبع أهمية هذا
«المنتقى» من كونه يضمّ بين دفتيه نصوصاً تمثل مختلف أقاليم وثقافات إيران، من
شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، تمتاز بفنية عالية وبقيمة أدبية سامقة، قد
ترتقي إلى مصاف شوامخ القصة القصيرة العالمية. بأسلوب يزاوج بين الحكي التقليدي
وأسلوب القص الحديث، تُشرِع لنا هذه النصوص كُوىً مختلفة على عوالم حكائية تقودنا
في رحلة شيقة لاستطلاع ما يدور هنالك.. في بلاد فارس..
جعل المترجم من
قصة "داود الأحدب" للقاص والروائي الشهير صادق هدايت فاتحة هذه
المختارات، لمكانة هذا الروائي الريادية حيث معه بدأت الحياة الأدبية الجديدة في
إيران. جلال آل أحمد هو الآخر امتاز بأسلوبه الخاص وجعل من الأدب رسالة ومسؤولية،
نقرأ له في هذه الأضمومة قصة "تزاور العيد". قصة "مع كامل
الأسف" للرائد بهرام صادقي تجد مكاناً لها في هذه الأنطولوجيا. تتوالى القصص
البديعة وتتنوع في هذا الكتاب، فنقرأ لغلامحسين ساعدي الذي أبدع في توصيف الفقر
وتشريحه قصة "المفتش". جمال مير صادقي من الكتّاب الذين أوجدوا طيفاً
جديداً من القصص التي تتناول المنطقة الفاصلة في الحياة بين الأصالة والحداثة
وشهرته عمّت الآفاق وأعماله تُرجمت إلى عدة لغات عالمية. ترجم له أحمد موسى قصة "طق
طق". أحمد محمود هو الآخر بصم هذه المرحلة بطابعه الخاص وساهم في إحداث
التحول الذي شهدته القصة القصيرة في إيران. أعماله نالت شهرة كبيرة، نقرأ له في
هذه المختارات قصة "مدينتنا الصغيرة". وهكذا نواصل الرحلة مع عمالقة
القص الإيراني فنطالع لإسماعيل فصيح وعلي أشرف درويشيان وكلي ترقي وشهرنوش بارسي
بور ومنيرو رواني بور وزويا بيرزاد وأخيراً عباس معروفي.
تشرع لنا هذه
الأنطولوجيا بنصوصها الثلاثة عشرة نوافذ على عوالم حكائية لهؤلاء النخبة من
الأدباء الإيرانيين بفضاءاتها التخيلية فتعكس لنا تنوعاً وتشعباً في القضايا
المعالجة والأسئلة المطروحة.
مقتطف من قصة سيدة
روحي المبجلة لكلي ترقي :
أتوقفُ فلا أكاد أصدّق. قبالتي في قلب الصحراء في تلك
البريّة الصامتة، ربضت في سكون جنّةٌ خضراء في كنف جدارٍ أبيض، كأنه حلم فردوسي.
ودعاني بابٌ موارب إلى التقدم. اختلستُ النظر، لا أثر لأحد والبستان خال ووحيد.
يمتدُّ على حاشية الجدران صفان من الصفصاف الطويل، وتنتصبُ أربع شجرات سرو في قلب
أربعة بساتين صغيرة مكسوّة بالشقائق البرية والأزهار المجهولة. يتوسّط البستان
مستنقعٌ كبير أزرقُ بلوري مترع بماء السماء. يغطِّي صخورَ الأنحاء غبارٌ رهيف. لا
أثر لقدم ولا ليد، ولا أمارة عن لحظة مضطربة، ولا ذكرى لرسم مخدوش.
مقتطف من قصة بقعة
لزويا بيرزاد :
كانت حياتها مثل خط مستقيم، مثل شِلَّة حرير امتدَّت
الآن وطالت أكثر فأكثر حتى لفّت كامل السجّاد. استمرت حياتها ثلاثين سنة على هذا
المنوال. ثلاثون سنة تشابهت كل أعوامها وكل شهورها وكل أيامها، بلا أدنى تغيير،
ودونما حادثة. ولم يكن للمرأة أية شكوى من هذه الناحية. بل كانت متوجِّسة من حدوث
حادثة. فكانت تهيج وتموج مع كل نزلة برد عادية تصيبها أو تصيب زوجها، ليس فزعاً من
المرض بل جزعاً من التغيير الذي سيطرأ على برنامج حياتها.
مقتطف من قصة داود
الأحدب لصادق هدايت :
حوالي الغروب اجتاز من أمام بوابة "يوسف
آباد"، فنظر إلى قرص القمر المشع ضياء، الذي ارتقى بين جنبات السماء في هدوء
أول هذه الليلة الحزينة الخلاّبة، وأخذ يتفرج على البيوت ناقصة البناء، وأكوام
الآجر المتكدّسة، ومنظر المدينة الناعسة من بعيد، والأشجار، وظُلل المنازل، والجبل
الأزرق. فكانت تعبر من أمام عينيه حجب كثيفة رمادية اللون. لم يكن يُرى أثرٌ لشخص،
لا من قريب ولا من بعيد. وحده صوت ترنم أبو عطا البعيد والمخنوق يتعالى من تلك
الناحية من الخندق. رفع رأسه بصعوبة، كان مهدوداً مشحوناً بالحزن والكآبة وكانت
عيناه حارقتين. كان يبدو وكأن رأسه أثقل على جسده. وضع داود عصاه بجانب الجدول
وعبر منه. وغير قاصد، ارتقى الصخور، ونزل بشِدْق الطريق. استدار على حين غرّة فرأى
امرأة متلفعة بملاءة وقد جلست على مقربة منه بجانب جدول الماء، فتسارعت دقات قلبه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
رأيكم في محتوى المدونة :
مقترحاتكم :